الشباب نيوز

مقالات

٣٠ يونيو قيامة وطن

احمد يوسف -

لم يكن يوم ٣٠ يونيو مجرد تاريخٍ عابرٍ في صفحات التقويم بل كان نداء جليلا صدح من أعماق الصدور كأنه دوي تسابيح ملائكة تنذر بالخلاص.
كانت لحظة انبعاث من تحت الركام ..يوم نهض الوطن مجروحا.... لكنه لم ينس اسمه...مكسورا لكنه لم ينحني فصرخ في وجه من أرادو محو هويته وقتل وحدته وتمزيق نسيجه: ( نحن شعب لاينخدع).
عام من التيه... حين تاهت مصر في غياهب الجماعة
ففي ٢٠١٢ حين تسلم محمد مرسي مقاليد الحكم، لم تعتليه هالة الدولة بل نبرة التنظيم و لم يكن رئيسا لجمهورية بل واجهة لتنظيم هرمي خفي يحكم من الظل. . يجلس على عرشه المرشد و تنفذ أوامره ميليشيات الولاء لا مؤسسات الوطن.
كأن مصر بتاريخها وجيشها وكنيستها وأزهرها ونيلها صارت فجأة بندا في دفتر التنظيم العالمي للإخوان سقطت اللغة وصعدت الشعارات ..صمت العقل وارتفع التصفيق الأعمى وإتضح للكهل والرضيع مخطط التمكن والتمكين في جرائم لا تنسى ففي نوفمبر ٢٠١٢ أصدر مرسي إعلانا دستوريا قضى بتحصين نفسه فوق الدستور و فوق القانون بل وفوق الوطن كأنما صرخ: "أنا الدولة... واهلي وعشيرتي ..ومن بعدنا الطوفان".
وفي ليلة شهباء أظلمت فيها سماء العدالة طعنت السلطة القضائية بسكين الجماعة وذبح الدستور وكل المبادئ الدستورية الراسخة من الوريد إلى الوريد ومرة واحدة تحول قصر الرئاسةمن ساحة للقرار ورمز لهيبة وقوة الدولة الي مسرحا للبطش ففي ديسمبر ٢٠١٢ حين تجمع معارضون سلميون رفضا للاستبداد خرجت عليهم جحافل "الإخوان"لا بكتب الدين ولا بموائد الحوار والشوري.. بل بسلاسل الحديد والسواطير
ضرب المصريون بمهانة أمام بوابة القصر وعذب بعضهم داخله، كأننا نعيش عودة محاكم التفتيش لا زمن الحرية.دماء سالت، وعيون فقئت وصمت رسمي مطبق... وكأن الوطن صار قفصا لمن خالف الجماعة في الرأي أو الفكر أو الحلم.ولم يكن مستغربا ولا مفجعا أن تطل بعد ذلك علينا أسرار من الظل و تآمر على الوطن باسم "التمكين" فظهرت التسريبات بعد السقوط شاهدة جلية واضحة ...ومنها ما دار في مكتب الرئاسة نفسه ففجعنا من وثائق مسربة أظهرت:
تنسيقا مع "حماس" و"أنصار بيت المقدس".
تفريطا محتملا في سيناء لإعادة توطين الفلسطينيين.
تجنيد مجموعات مسلحة للسيطرة على الأمن الداخلي إذا "عصاهم الشعب".فأي خيانة أعظم من أن يدار القصر الجمهوري كغرفة عمليات لتنظيم عابر للحدود لا يرى في مصر وطنا بل ممرا للتمكين العالمي؟
أما إقتصاديا ..في زمن الإخوان جاعت بطون الناس كما جاعت قلوبهم ..غابت الكهرباء...وطالت طوابير البنزين وتوقفت المصانع.ووقف المواطن في الحر والعرق ينتظر علبة دواء أو لتر سولار، بينما كانت "قيادات الجماعة" تعيد ترتيب الغنائم.وليس خفيا أنه في عز هذه الأزمةبدد مرسي 8 مليارات من احتياطي النقد دون خطة ودون رقابة كمن ينثر الدقيق على سطح البحر. ثم أطلت علينا منصة رابعة والتي لم تكن منبر رأي، بل مذبحا مفتوحا للتحريض علي الدم ورمي كل معارض بالكفر والألحادفقدقال البلتاجي:"ما يحدث في سيناء سيتوقف حين يعود مرسي"!......أي ابتزاز هذا؟!
وأي وقاحة هذه التي تجعل من أرواح الجنود والشعوب وسيلة ضغط وكأن الوطن رهينة في يد فصيل غاضب؟!ولم تكن الكلمات وحدها، بل وجدت في الاعتصام أسلحة، قنابل، وذخيرة حية كأنهم استعدوا للحرب لا للحوار.
وبعد أن لفظهم الشعب، ردوا بالدم والنار.
انفجرت مديرية أمن الدقهلية، واهتزت عربة وزير الداخلية، وتوالت التفجيرات على الأبراج ومحطات الكهرباءوقتل الناس في المساجد والكنائس وكلها كانت رسائل تقول: "إما نحن أو الفوضى"....ولكن مصر قالت: "بل نحن... وأنتم الغبار".
وحين بدا أن كل شيء ينهار، خرج الشعب، لا طامعا في سلطة بل طالبا النجاة .٣٣ مليون مصري حملوا قلوبهم على أكفهم، وصرخوا في وجه القبح:
"هذه مصر... لا عشيرتكم... لا جماعتكم لا ساحة لجهادكم المزعوم".وفي 3 يوليو، أنصت الجيش للناس وانتصرت عقيدته بأنه سيف المصريين ودرعهم وأن ابنائه هم حماته من كل مايهدده وبدأت الدولة من جديد.
إن ٣٠يونيو لم تكن ثورة فحسب، بل كانت قيامة وطن
فيها قال المصريون كلمتهم الفصل، وانتزعوا بلدهم من قبضة الظلام من كان في الميادين لم يكونوا نخبة أو تيار أو فصيل بل شعبا رأى بلده تختنق فأسعفها بالصراخ .ورفعها من جديد إلى شمسها ولولاها لكانت مصر اليوم دولة مفقودة وهوية منسية وتاريخا مغتصبا على أيدي من لا يؤمن إلا ببيعتهم لا بترابها .
لقد كان تاريخ قيامة شعب نهض من قبرا القي فيه في غفلة من الزمن لينهض من خديعة الجماعة ..ويبدأ من جديد بوحدة أبنائه ورسوخ مؤسساته رحلة من رحلاته لكتابة التاريخ ..فهو مخترع التاريخ وحين تغفو مصر يتوقف الزمن وحين تنهض ينحني لها الجميع ..فدوما تحيا مصر ...