التحول نحو الاقتصاد الدائري من وعود الي واقع قابل للقياس ماذا تغير في ٢٠٢٤_٢٠٢٥

كتبت دانة حبوب
المقدّمة
الاقتصاد الدائري لم يعد فكرةٍ فلسفيّة أو مصطلحًا للنقاش الأكاديمي فقط — بل صار إطارًا سياسيًا وتجاريًا عمليًا تسعى من خلاله دول وشركات لإعادة تصميم سلاسل الإنتاج والاستهلاك بهدف خفض النفايات، تقليل استهلاك الموارد، وحماية المناخ مع خلق فرص اقتصادية جديدة. في 2024–2025 شهدنا خطوات تشريعية دولية مهمة، تقارير متابعة لالتزامات شركات كبرى، وتجارب تجارية عملية تُظهر كيف يتحوّل الخطاب إلى تطبيقات ملموسة.
خمس حقائق أساسية
1. التزام مؤسساتي متنامٍ لكنه لا يزال متباين التنفيذ: أكثر من ألف جهة (شركات وحكومات) وقّعت «الالتزام العالمي» بشأن البلاستيك، مع أهداف واضحة لخفض التحويل إلى نفايات — لكن تقييم التقدّم يظهر فجوات كبيرة بين أقوال الالتزام ووتيرة التنفيذ على الأرض.
2. التشريع الأوروبي يتحوّل إلى معيار عملي: حزمة إجراءات الاتحاد الأوروبي للتدوير (Circular Economy Action Plan) وبنود مثل تشريع المخلفات والـ PPWR تدخل حيز التنفيذ، وتفرض معايير على التصميم، التعبئة وإمكانية التتبّع عبر «جوازات المنتج الرقمية» (DPPs). هذا يضع ضغطًا تنظيمياً على الأسواق العالمية.
3. المقاربة الدائرية تخفّض انبعاثات وتوفّر مواد خام ثانوية: تحليلات UNEP وأخرى توضح أن الانتقال إلى استخدام المواد الثانوية وإطالة عمر المنتجات يقلّص الضغط على الموارد والطاقة — ما يساهم في أهداف المناخ والبصمة المادية للاقتصاد.
4. نماذج تجارية ناجحة تتنوّع (تأجير، إصلاح، إعادة تدوير متقدّم): شركات صغيرة وكبرى اختبرت أنظمة إعادة التجديد (remanufacturing)، نماذج الاشتراك، وسلاسل إغلاق الحلقة، مع نتائج مالية وإيكولوجية مشجعة في قطاعات مثل الأثاث، الإلكترونيات وتجهيزات الصناعة.
5. العقبات الأساسية: تمويل التحوّل، بنية التتبّع، وسلوك المستهلك: رغم الفوائد، تواجه الحكومات والشركات قيودًا في التمويل، ضعف البنية التحتيّة لإعادة التدوير عالية الجودة، واحتياجاً لتغيير عادات الاستهلاك.
ماذا تغيّر سياسياً وتنظيميًا في 2024–2025؟
• الاتحاد الأوروبي وسّع أدواته: دخول نظم تنظيمية أحدث (بما في ذلك تشريعات التعبئة الجديدة PPWR وُلدت في 2025) وزيادة التركيز على قابلية الإصلاح وإمكانية إعادة التدوير وشفافية المحتوى المادي للمنتجات. هذا الاتجاه يفرض تصميمًا “قابلًا للدوران” منذ مرحلة التصميم.
• أدوات رقمية جديدة مثل «جواز المنتج الرقمي» (Digital Product Passport) ستصبح مطلبًا لتمكين تتبّع المواد وإثبات مصادرها وإمكانية إصلاحها، وهو تغيير عملي سيؤثر على مصنّعين وموزعين حول العالم.
• المؤسسات المالية والاتحادات الدولية بدأت تربط التمويل بالمخاطر والفرص الدائرية، بدعوات لدمج حلول الدائرية في استراتيجيات الإقراض والاستثمار.
أمثلة عملية
• شركات تعبئة عالمية بدأت تطبيق خطط لاستخدام 100% مواد قابلة لإعادة التدوير أو قابلة للتحلل، مع برامج لإرجاع العبوات وتحويلها إلى مواد خام ثانية. نتائج التقارير الأخيرة تُظهر انخفاضًا ملموسًا في النفايات الناتجة عن التعبئة لدى الموقّعين.
• قطاع التكنولوجيا يتجه لتصميم منتجات يسهل تفكيكها لإصلاحها أو استبدال مكوّناتها (modular design) استجابة لضغوط التشريع والسوق—نموذج ينعكس على طول عمر المنتج وتقليل الحاجة للمواد الخام الجديدة.
الفوائد الاقتصادية والبيئية
1. خفض الانبعاثات والضغط على الموارد: التحوّل الدائري يساهم مباشرةً في تقليل استخراج المواد الخام والطاقة اللازمة للإنتاج الجديد، وبهذا يخفض انبعاثات الصناعة.
2. فرص نموّ وظيفي جديدة: إعادة التدوير المتقدّم، إصلاح المنتجات، وتصميم الخدمات يؤدي إلى وظائف محلية متخصّصة ويعزّز الاقتصادات المحلية. دراسات تُشير إلى إمكانية نمو الوظائف في سلاسل القيمة الدائرية.
3. تحسين أمن المواد الخام: باستخدام المواد الثانوية يقل الاعتماد على واردات خامات نادرة ويخفّف تذبذب الأسعار العالمية.
العقبات والقيود العملية
• تكلفة الانتقال والاستثمارات الأولية في مرافق إعادة التدوير المتقدّمة وبناء شبكات لوجستية للعائدات.
• جودة المواد المعاد تدويرها وما إذا كانت تلائم متطلبات الإنتاج الصُنْعي عالية المستوى.
• سلوك المستهلك وحوافز السوق: حتى مع توافر بدائل دائرية، يتطلب الأمر تحفيزات (ضريبية أو تسويقية) وتثقيفًا لرفع الطلب.
توصيات عملية
1. تبنّي تشريعات تصمّم المنتج من بدايته (eco-design) تمنع إنتاج نفايات في المصدر وتسهّل الإصلاح وإعادة التدوير.
2. دعم بنية التتبّع الرقمية (DPPs) لربط المواد بمعلوماتها البيئية والفنية، ما يسهل سوق المواد الثانوية ويمنح ثقة للمصنّعين.
3. حوافز مالية واستثمارية (قروض ميسّرة، حوافز ضريبية) لمصانع إعادة التدوير وتقنيات التصميم المعياري.
4. شراكات حكومية-خاصة لتجارب ميدانية (منطقة صناعية دائرية، شبكات إرجاع المنتجات) تعلّم السوق وتقلّل مخاطر الاستثمار الأولي.
5. حملات توعية وتحفيز الطلب على المنتجات المستدامة (تفويضات الشراء العام لمنتجات دائرية).
خاتمة
الاقتصاد الدائري ليس رفاهية بيئية بل استراتيجية اقتصادية ضرورية لمواجهة أزمات المناخ والنفاد المتصاعد للموارد. التحوّل جارٍ — على المستوى التشريعي والمؤسسي — لكن نجاحه يعتمد على تضافر السياسات، التمويل، وبناء أسواق حقيقية للمواد والخدمات الدائرية. الصحافة دورها أن تتابع الفجوة بين وعود الشركات والتنفيذ، وتعرض قصص نجاح قابلة للتطبيق محليًا.