الاقتصاد والطيران الي اين تتجه صناعة الرحلات في عصر تقلب الأسعار والضغط البيئي

كتبت دانة حبوب
المقدّمة
صناعة الطيران ليست فقط تجارة نقل ركاب وبضائع؛ هي مؤشر مبكّر على حالة الاقتصاد العالمي، لوحة توجّه سياسات الطاقة والبيئة، ومحور استثمارات صناعية كبيرة (صناعة الطائرات، المطارات، سلسلة الوقود). في 2024–2025 شهدنا تعافياً قوياً لحركة المسافرين، تذبذبًا في أسعار وقود الطائرات، ضغوطًا على سلاسل التوريد، وتحديات بيئية تتعلق بالوقود المستدام. هذا التقرير يجمع أحدث المؤشرات والأرقام والتحليلات العملية التي يحتاجها القارئ الصحفي والمحرر الاقتصادي.
• تعافٍ واضح في أعداد الركاب ولكن وتيرة النمو تبطئ: بعد زيادة كبيرة في حركة المسافرين عالمياً في 2024، تتوقّع IATA تباطؤ النمو إلى نحو 5.8% في 2025 مقارنة بـ10.6% في 2024، ما يعني أن السوق دخل مرحلة «نمط نموّ أبطأ لكن مستدام».
• ربحية القطاع تتحسّن لكن الهامش ضيّق: تقديرات IATA تُشير إلى أرباح إجمالية لصناعة الطيران في 2025 تقارب 36 مليار دولار لكن بهوامش أقل من سنوات التعافي الأعلى — مما يضع شركات الطيران أمام ضغوط خفض التكاليف وإدارة الدين.
• تكاليف الوقود لا تزال عاملًا محوريًا في التذبذب التشغيلي: سعر وقود الطائرات (مؤشرات Argus/Platts) توصَف بارتفاع وانخفاض متكرر؛ مؤشر الأسعار في أغسطس 2025 يُظهر متوسطات حول ~2.05 دولار/غالون في الأسواق الأميركية، ما يؤثر مباشرة على فاتورة التشغيل.
• التحوّل إلى وقود طيران مستدام (SAF) يواجه عقبات مالية وإنتاجية: رغم وعود وتقارير عن مشاريع SAF، تحقيق إنتاج بكميات كافية وبأسعار مقبولة لم يحدث بعد — وتقديرات حديثة تُشير إلى أن حصّة SAF من إجمالي وقود الطيران لا تزال ضئيلة (أقل من 1% متوقّع في 2025)، في ظل فشل بعض مشاريع ومصانع مبكرة.
• الشحن الجوي يظهر علامات تعافٍ متذبذب: الطلب على الشحن الجوي نما بشكل طفيف في 2025 (مثلاً +0.8% في يونيو مقارنة بالعام السابق حسب IATA)، لكن الضغوط على القدرة والطلب العالمي تظل غير متساوية بين المناطق.
ما الذي يفسّر هذه النتائج عمليًا؟
1. توازن العرض والطلب بعد مرحلة فتح الحدود: عودة السفر الدولي (سياحة وسفر عمل) أعادت جزءاً كبيراً من الطلب، لكن شركات الطيران أضافت طاقة بسرعة، ما خلق ضغوطًا على الأسعار في بعض الأسواق — وهو ما يدفع بعض الناقلات لإعادة تقييم الشبكات وتخفيض الرحلات غير المربحة.
2. هيكل التكلفة المرتبط بالوقود وخدمة الدين: الوقود والتمويل يمثلان أكبر متغيرين: تقلب الوقود يضغط على الهوامش، في حين أن ارتفاع كلفة الاقتراض أو تراكم ديون فترة الجائحة يزيد العبء المالي على شركات تحتاج لاستثمارات (تحديث الأساطيل، تقنيات الوقود الأنظف).
3. الضغط التنظيمي والبيئي يغيّر موازين الاستثمار: دول ومناطق (مثل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة) تُسارع سياساتها لتحفيز استخدام SAF وفرض شفافية انبعاثات، ما يضع شركات الطيران أمام تكلفة امتثال محتملة لكن أيضاً فرصة مبكرة لمن يتبنّى التقنيات الصديقة للبيئة.
أثر على الركاب، الشركات، والاقتصاد الوطني
• للمسافر: قد يرى تقلبات في أسعار التذاكر وكمية الرحلات إلى بعض المطارات الإقليمية، مع احتمال إلغاء خطوط منخفضة الربحية أو رفع رسوم وقود/خدمات على التذاكر.
• للشركات (سلاسل التوريد والسياحة): استقرار النقل الجوي مهم لصادرات سريعة الحساسية (أغذية طازجة، إلكترونيات) ولحركة السياح، وبالتالي أي تذبذب يؤثر بسرعة على تدفقات مالية وإيرادات القطاعات المرتبطة.
• للاقتصاد الكلي: قطاع الطيران يخلق وظائف مباشرة وغير مباشرة؛ تحسّن ربحيته يعزز الاستثمارات المطارية وقطاع الخدمات، بينما أي تراجع طويل الأمد في الطلب يؤثر على مطارات ومحطات شحن ومقدمي الخدمات اللوجيستية.
الاستدامة ووقود المستقبل (SAF)
الوعود بوقود طيران مستدام كانت متكررة، لكن تقارير صحفية وتحليلية حديثة تحذّر: عدد كبير من مشاريع SAF المعلنة لم يتحول إلى إنتاج تجاري بسبب ارتفاع التكاليف، مشكلات التمويل، ونقص المواد الخام لطرق الإنتاج الحالية. النتيجة العملية: انتقال صناعي بطيء مقارنة بطموحات صافي الصفر، وهذا سيُحتّم على صانعي السياسة والمستثمرين خيارات صعبة (دعم مالي أم تشديد تنظيمي أم مزج).
صناعات الطائرات وسلاسل التوريد
معدلات تسليم الطائرات عادت للتحسّن بعد مشاكل إنتاجية سابقة؛ كلا من بوينغ وإيرباص رفعا من وتيرة التسليم في 2025، لكن التحدي يكمن في إمداد سلسلة القطع والمصانع الفرعية للحفاظ على معدل الإنتاج المستهدف. هذا عامل مهم لأنه يؤثر على قدرة الناقلات على تحديث أساطيلها إلى طرازات أكثر كفاءة في الوقود.
ماذا على صناع القرار والشركات والصحافة أن يتابعوا؟
• للحكومات وصانعي السياسة: وضع آليات مالية محفِّزة للـSAF (حوافز ضريبية، شراكات عامة-خاصة)، ودعم تدريب قوى عاملة لوجستية ومطارات ذكية لتستفيد من تعافٍ محتمل.
• لشركات الطيران: إعادة تقييم الشبكات والتركيز على كفاءة الوقود وأساطيل أقل استهلاكًا، واوجود استراتيجيات هجينة لشراء الوقود (hedging) للحد من تقلبات الأسعار.
• للمحرّين: تغطية القضايا الكبيرة (تكلفة الوقود، SAF، تأثيرات تسريح/إلغاء الخطوط) لا تقتصر على أخبار الرحلات فقط؛ اطلبوا بيانات مالية رسمية، وقراءات تحليلية لآثارها على الاقتصاد المحلي.
خاتمة
الطيران قطاع حساس للتقلبات الاقتصادية والبيئية مع دور محوري في ربط العالم. 2025 تبدو سنة «انتقال» — تعافٍ لكن ببطء نموّ، فرص ربحية محدودة، وضغط واضح لتحقيق خطوات عملية نحو استدامة حقيقية. صانعو القرار والمستثمرون الذين يستوعبون هذا التوازن سيحددون شكل الربحية والقدرة التنافسية في العقد المقبل.